هل يجوز الجمع والقصر في السفر لمدة شهرين ابن عثيمين

في الفقه الإسلامي، يُعَدُّ الجمع والقصر في الصلاة من التسهيلات التي أتاحها الشارع الحكيم للمسافر تخفيفًا عليه من مشقة السفر. لقد تناول العلماء هذا الموضوع بشيء من التفصيل، ومن بين هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وهو من العلماء البارزين في العصر الحديث الذين أسهموا في تبسيط وتعليم الفقه الإسلامي.
مفهوم الجمع والقصر
قبل الدخول في تفاصيل رأي الشيخ ابن عثيمين، من الضروري فهم ما هو الجمع والقصر. الجمع هو أداء صلاتين مفروضتين في وقت واحد، كجمع صلاة الظهر مع العصر أو صلاة المغرب مع العشاء، سواء كان ذلك تقديمًا أو تأخيرًا. أما القصر فهو تقصير الصلاة الرباعية (الظهر، العصر، العشاء) إلى ركعتين بدلاً من أربع.
مشروعية الجمع والقصر في السفر
اتفق الفقهاء على مشروعية الجمع والقصر في السفر استنادًا إلى الأدلة من القرآن والسنة. فقد قال الله تعالى: “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا” [النساء: 101]. كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصر ويجمع في السفر، وهو ما أكدته العديد من الأحاديث الصحيحة.
شروط الجمع والقصر
لجمع وقصر الصلاة في السفر شروط محددة منها:
أن تكون المسافة المقطوعة سفراً تُقدَّر بحوالي 80 كيلومترًا أو أكثر.
نية السفر قبل الشروع فيه.
استمرارية السفر، بمعنى ألا ينوي الإقامة لأكثر من أربعة أيام.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يجوز للمسافر الجمع والقصر إذا كانت مدة سفره تتجاوز الأربعة أيام، وتحديدًا لشهرين مثلاً؟
رأي الشيخ ابن عثيمين في المسألة
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كان من العلماء الذين اهتموا بتوضيح مسائل الجمع والقصر في السفر. وقد بيَّن الشيخ في كتبه ودروسه أن الجمع والقصر في السفر يكون مشروعًا طالما أن الشخص يعتبر مسافرًا بنية السفر وعدم الإقامة الدائمة.
الجمع والقصر لمدة شهرين
عند النظر في السفر الطويل، كالسفر لمدة شهرين مثلاً، يوضح الشيخ ابن عثيمين أن هناك حالات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار:
نية الإقامة المحددة: إذا كان الشخص ينوي الإقامة في مكان معين لمدة تزيد عن أربعة أيام، فإنه يُعَدُّ مقيمًا، وبالتالي لا يجوز له الجمع والقصر بعد مضي هذه الفترة. هذا الرأي مبني على فهم الحديث الشريف والذي يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ما لم ينوِ إقامةً تتجاوز الأربعة أيام.
النية المتغيرة: إذا كانت نية المسافر غير مستقرة أو لا يعرف بالضبط مدة إقامته، ولكنه يتوقع أن تكون قصيرة، فإنه يجوز له القصر والجمع. هذا يشمل الأشخاص الذين قد ينتقلون من مكان لآخر خلال فترة إقامتهم الطويلة.
أمثلة توضيحية
المثال الأول: رجل سافر إلى مدينة لغرض العلاج أو العمل، وكان يعلم مسبقًا أن فترة علاجه أو عمله ستستغرق شهرين. في هذه الحالة، يعتبر هذا الشخص مقيمًا بعد مضي أربعة أيام من وصوله إلى الوجهة، وبالتالي لا يجوز له القصر والجمع بعد هذه الفترة.
المثال الثاني: طالب سافر لدراسة دورة تدريبية قد تستمر شهرين، ولكنه غير متأكد من مدة الإقامة الفعلية وقد ينتقل بين مدن مختلفة خلال فترة الدورة. في هذه الحالة، يمكنه القصر والجمع طالما لم يستقر في مكان واحد لمدة تزيد عن أربعة أيام.
الرأي الراجح الذي قدمه الشيخ ابن عثيمين هو أن الجمع والقصر في الصلاة مشروعان للمسافر، ولكن تحديد مدة السفر ونية الإقامة تلعب دورًا حاسمًا في جواز الجمع والقصر. إذا نوى الشخص الإقامة لأكثر من أربعة أيام في مكان واحد، فإنه يُعَدُّ مقيمًا بعد هذه الفترة ولا يجوز له القصر والجمع. أما إذا كانت النية غير مستقرة أو لا يعرف مدة الإقامة المحددة، فيجوز له الاستمرار في القصر والجمع.
يتضح أن مسألة الجمع والقصر في السفر مرتبطة بنيّة الشخص وظروفه المحددة، ولهذا يجب على المسلم أن يتفكر في نيته وظروفه ليتمكن من تطبيق الأحكام الشرعية بما يتناسب مع حالته، مستعينًا بآراء العلماء المعتبرين مثل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.